


التماسك النص عند نعوم تشومسكي في علم اللغة الحديث
هو صاحب نظرية النحو التوليدي وهو أستاذ في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا. يقع في قلب نظرية المعيار حتى الآن بناء النحو وعمله، أى المكونات الأساس مع قواعد بنية المركبات تولدها ((البنية العميقة)). تلك الأخيرة تحول بواسطة قواعد التحويل إلى ((البنية السطحية)). وهكذا تولد مكونات الأساس أبنية مجردة، أما البنية السطحية فقط فتطابق الجمل الصحيحة المعينة في اللغة. وتحدد البنية العميقة التفسير الدلالى للجملة، وتحدد البنية السطحية التفسير الصوتى. وبذلك يكون للبنية العميقة ربط مزدوج فهى مدخل لقواعد التحويل التى تنشئ البنية السطحية، ومدخل لقواعد الإسقاط التى يحصل المرء عند تطبيقها على التمثيل الدلالى١.
وكتب في دراسات ومقالات نظرية اللغة بين عبد القاهر الجرجانى وتشومسكى عن مقصود البنية العميقة فهي الأساس الذهني المجرد لمعنى معين يوجد في الذهن ويرتبط بتركيب جملي أصولي يكون هذا التركيب رمزاً لذلك المعنى وتجسيداً له، وهى النواحي التي لا بد منها لفهم الجملة ولتحديد معناها الدلالي، وإن لم تكن ظاهرة فيها۲.
في النحو التقليدى توصف إلى جانب الفصائل النحوية وظائف عناصر الجملة، أى: الفاعل والمفعول والمسند (المحمول) وغير ذلك. النماذج الأولى لتشومسكى لم تراع تلك الوظائف، بخلاف نظرية المعيار، أى نموذج ((الجوانب...)). ((فالفاعل)) يشير هنا داخل النظرية إلى وظيفة نحوية في مقابل الفصيلة النحوية؛ مركب اسمى. بمعنى أن الفاعل والمفعول وغير ذلك مفاهيم علاقية ولذا فهى متصلة دائماً بالجملة٣.
كان لنهج تشومسكى في تحليل الجملة أثر واضح في محاولة تلميذية كيتسr تحليل المعنى على نحو مماثل، يقوم على مبادئ جوهرية مستقاة من قواعد تحويلية توليدية، بعد أن ضم إليها مبادئ أخرى من نظريتى السياق والمجال الدلالى في تصوّر خاص أطلق عليه التحليل التكوينى للمعنى. ويمكن في إطار هذا التصور التوصل إلى المعنى الدقيق للكلمة، من خلال تحديد عدد من العناصر أو المكونات أو الملامح الدلالية التى تميزها عن غيرها. ويدخل في تكوين هذه العملية المعقدة النحو والدلالية والسياق.
لقد كان على تشومسكى أن يجرِّبَ عدداً من الأوصاف النحوية للوصول إلى وصف أمثل للقواعد النحوية، وعلى الرغم مما قيل عن تجاهل تشومسكى من خلال المقارنة بين أكثر من نظام نحوى لاختيار الأصلح منه، لتحقيق مهمة معينة وهى أن كثيراً من اللغات لا تكاد تملك نظاماً نحوياً كاملاً أو قريباً من الكمال فإنه قد انتهى إلى أن وضع نظام محدد ثابت للتحليل اللغوى هدف طموح جداً، وأن أقصى ما تطمح إليه أية نظرية لغوية هو أن تقدم لنا بين الإجراءات أفضلها فى التحليل اللغوى.
وتصوّرات فلسفية في مفاهيم تشومسكي التحويلية التوليدية، وانتهى الأمر إلى تشابه مفهوم البنية العميقة ومفهومهم للقضية المنطقية، وصار التعامُل مع الصور الدلالية يطابق التعامل مع معادلات المناطقة، خلافاً لتوجه تشومسكي الذي كان تعامله مع معادلات رياضية أساساً. أما النحو التوليدي (التحويلى والتوليدى) الدلالى للنص، فقد بُنى على أفكار تشومسكى الجوهرية، وبخاصة بعد تطويريه لها بإدخال الجانب الدلالى بصورة أعمق، ومراعاة عناصر دلالية لم يكون لها مكان في أشكال التحليل في صورته الأولية، وعلى الرغم من الحذر الشديد الذي اتسمت به إضافات تشومسكى ذاتها، فإن أتباعه قد توسّعوا في طرق الوصف والتعليل توسعاً كبيراً، غير أنهم لم يخرجوا عن إطار مفهوم الجملة.
من حيث الكفاءة اللغوية والأداء اللغوى، أكد تشومسكى أن ((توليد جملة)) لا يجوز أن يفهم أنه متعلق بالمتكلم، بل إن هذا المفهوم بالنظر إلى المنطق الحديث يعنى في هذا المعنى ((إلحاق بجملة ما وصف لبنيتها)). إن المتكلم بالنسبة لتشومسكى هو إظهار مثالى (نمذجة) ضرورية، وبمساعدة هذا الفرض المنهجى فقط يمكنه أن يكتشف النظام القاعدى الأساسى، النحو الذي يمتلك بالنسبة له ((واقعاً عقلياً))، أى لم ينجزه عالم اللغة، بل هو مركب في النظام الإنسانى للإدراك٥.
۱ الدكتور سعيد حسن بحيرى، مناهج علم اللغة من هرمان باول حتى ناعوم تشومسكى، (طبعة مؤسسة المختار طبعة مزيدة ومنقحة 2004)، ط۱، ص۲۷٨.
۲ عودة الله منيع القيسي، دراسات ومقالات نظرية اللغة بين عبد القاهر الجرجانى وتشومسكى، (عمان).
٣ د. سعيد حسن بحيرى، مناهج علم اللغة من هرمان باول حتى ناعوم تشومسكى، (طبعة مؤسسة المختار طبعة مزيدة ومنقحة 2004)، ط۱، ص۲٨٣.
٤ د. سعيد حسن بحيرى، علم لغة النص المفاهيم والاتجاهات، (القاهرة: مؤسسة المختار، ۲٠٠٤م)، ط۱، ص٤۷.